المنظمة الدولية والثقة المستحيلة
جريدة النهار تاريخ 29 آذار 2017 | 08:15
حدثان بارزان، تزامنا، يخدمان حدوث البرهان على الثقة المستحيلة بين الشعوب والرأي العام من جهة والمنظمات الدولية ولا سيما منظمة الأمم المتحدة من جهة ثانية. يتمثل الحدث الاول في التقرير الذي قدَمه الأمين العام للامم المتحدة أنطونيو غوتيريش الى مجلس الامن في خصوص تطبيق القرار 1701، في حين يتمثل الحدث الثاني في إستقالة الأمينة العامة التنفيذية لمنظمة الاسكوا ريما خلف، على خلفية رفضها الرضوخ للضغوط لسحب تقريرها الذي يقع في 74صفحة، مع ملحقين، عن الموقع الالكتروني للمنظمة والذي خلص الى وصف اسرائيل بأنها دولة فصل عنصري "أبرتايد" من خلال تسلط جماعة عرقية على جماعة اخرى.
لا ريب في ان مفاعيل هذا العمل المهني تتجاوز اللحظة الآنية،ليصبح هذا التقرير وثيقة ومستنداً بحثياً في القانون الدولي قد يُؤسس عليه خلاصاتٍ قانونية في وجه اسرائيل تقود الى ملاحقتها وجنرالات حربها عن جرائم الحرب المقترفة على مدى أربعين عاماً، في لحظة ما من هذا الزمن، الامر الذي لا يستسيغه كثيرون.
قد تكون قراءة هذا الحدث وممارسة ضغوط غير مبررة أفضت الى إستقالة السيدة ريما خلف، اكثر سهولة لاستنباط خلاصات عقلية من نوع ان القانون الدولي الذي يُطالبُ به الضحايا التقليديونللحروب، يتعرض على الدوام للتسفيه من القوى الامبريالية التقليديةعلى النحو الذي يصفه المفكر نعوم تشومسكي.
اما قراءة خلاصات تقرير الامين العام الاخير في خصوص تطبيق القرار 1701، وما سبقه من تقارير أُخرى قُدمت الى مجلس الأمنالدولي، فقد تحتاج الى تمحيص أكبر، مع أنها أظهرت كفاءةَ علمية في سرد الوقائع والحوادث وخبرة سياسية ومُتابعة. إلا انه لا يكفي للقول بأداء موثوق به للمنظمة الدولية تجاه الرأي العام، بل ثمة حاجة الى كفاءة اخلاقية وتوازن يميل الى الانحياز لقضايا الحق، وهذا ما خرج عنه تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حيث ظهر جلياً إنعدام التوازن، حتى على مستوى الصياغة، وانحياز غير مبرر لإسرائيل،فنراه استخدم عبارات من نوع التحذير والادانة تجاه الطرف الثاني المعني في القرار 1701 وهو المعتدى عليه، في حين لم يتجاوز موقفه من المحتل عبارات القلق والاستغراب، على الرغم من الاعمال العدائية لإسرائيل، التي ليس أقلها إستباحة الأقليم الجوي للجمهورية اللبنانية مراراً.
المشكلة ليست في نص القانون الدولي، انما الازمة في اليآت تطبيقية بمعايير تحكمها القوة وموازينها، الا ان هذا الخلل لا يحول دون تمسكنا بأحكامه، اذ إن تطبيق أي شريعة بصورة غوغائية، لا يُغيّر في الطبيعة المقدسة للاسلام والمسيحية مثلاً.
هي اذاً سلوكيات المنظمة الدولية وانحيازها في غير مكان، جعلت الثقة بها امراً مستعجلاً.
0 تعليقات:
ارسال التعليق