مشروع سياسي بديل لمواجهة المحاصصة
جريدة النهار 14 شباط 2017
مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية المقبلة، هذا إذا حصلت في بلد يقلّ فيه شأن احترام المهل الدستورية، ينشأ حراكٌ سياسيٌ ناشط تقوده مجموعات جديدة من خلفيات وفئات مختلفة تقوم بتحضير حملاتها لمواجهة الطبقة السياسية الحالية في المعركة الإنتخابية المقبلة. المجموعات عديدة، وبناءً على متابعتي ولقاءاتي مع العديد منها، يمكن تقسيمها إلى خمس فئات اساسية: الأولى تشكلها مجموعة من الناشطين المدنيين والاكاديميين الذين ساهموا في تنظيم الحركات المطلبية. وتضم الثانية رجال أعمال ينتمون إلى الطبقة الوسطى المتضررة من أداء السلطة والهيئات الاقتصادية المتحالفة معها. أما الفئة الثالثة، فتضم شخصيات ذات حيثيات عائلية أو اجتماعية، شغل البعض منها في ما مضى مناصب عامة أو عسكرية أو قضائية قبل أن يتمّ تحييدهم عن الحياة السياسية إثر عدم انضمامهم إلى دائرة المحاصصة السياسية. الفئة الرابعة هي من الحزبيين الذين تخلوا عن أحزابهم لينضموا إلى صفوف المستقلين نتيجة عدم رضوخهم لسيطرة الزعماء. أما الفئة الخامسة فهي الأحزاب غير المشاركة في السلطة نتيجة الاحتكار السياسي الذي تفرضه الأحزاب الطائفية الحالية.
تعاني بعض هذه المجموعات من تحديات عديدة، أولها النقص في القدرات التنظيمية لإدارة صراعات السلطة الداخلية المتوقعة ضمن مجموعات حديثة النشأة. ثانياً، النقص في الخبرة والحنكة السياسية إن على صعيد تركيب الماكينات الانتخابية أو على صعيد بناء التحالفات أو تطوير الخطابات السياسية المبتكرة. ثالثاً، افتقاد بعض هذه المجموعات الى المعلومات والأبحاث والأرقام العلمية على الرغم من توافرها، مما يحد من قدرتهم على تطوير برامج سياسية فعلية وجدية في ظل غياب برامج مماثلة من قبل أحزاب السلطة. رابعا، وقوع بعض المجموعات في فخ الانقسام السياسي الحالي من خلال تناول المواضيع السياسية ضمن المقاربة نفسها التي تعتمدها الطبقة السياسية الحالية. خامسا، موقف هذه الفئات من المشاركة في السلطة بشكل يتراوح بين حماسة زائدة عند البعض غير مرفقة غالباً برؤية سياسية واضحة، وتردد واضح عند البعض الآخر.
وفي ظل هذه التحديات، على كل هذه المجموعات ان تكون قادرة على الاجابة عن الاسئلة التالية كي تكون جاهزة لمواجهة الاحزاب السياسية المتحالفة خلال الانتخابات النيابية المقبلة: ما هو المشروع السياسي البديل الفعلي والمبتكر الذي سيعيد تعريف السياسة ويسهم بتحديد الأولويات للمرحلة المقبلة؟ كيف ستتنظم هذه المجموعات في ماكينات انتخابية محلية تفعّل التعاون الوطني في ما بينها؟ ما هي المعايير التي ستستخدمها هذه المجموعات عند اختيار مرشحيها لتشكيل نموذج طبقة سياسية ناجحة وقادرة على بناء الثقة مع المواطنين وعلى اقناعهم بالمشاركة والاقتراع لها؟
الواقع الحالي يكشف عن فرصة حقيقية من أجل احداث تغيير فعلي في الواقع السياسي وبخاصة في ظل وجود متغيرات أساسية على نطاق الساحة الوطنية يمكن استغلالها لصالح المجموعات الجديدة الناشطة. اهم هذه المتغيرات هو انهيار المنظومة الاقتصادية السياسية التي عززت في ما مضى الزعامات السياسية الحالية القائمة على مقايضة تأمين حماية المواطنين والطوائف مقابل تخليهم عن حقوقهم الاساسية وعلى احتكار موارد الدولة لتقديم الخدمات العامة ضمن منظومة طائفية وزبائنية.
انطلاقاً مما سبق، أتقدم بخطة عمل هدفها احداث تنظيم تراكمي بين الفئات الساعية لمشروع سياسي بديل وبالتالي منافسة جدية في المعركة الانتخابية المقبلة وما بعدها. وترتكز هذه الخطة على ثلاثة مبادئ أساسية. المبدأ الأول هو الفعالية التنظيمية وذلك نظراً لعدد المجموعات وتنوعها والظهور الدائم للمجموعات الجديدة وجميعها حديث الهوية والتنظيم. المبدأ الثاني هو التكامل الجغرافي نظراً الى عدم قدرة أي مجموعة على تنظيم ماكينات انتخابية تغطي كل المناطق. المبدأ الثالث هو التحالف الاستراتيجي بحيث يتوقع المواطن من البديل السياسي أن ينسق حملاته الانتخابية وأن يضمن عدم المنافسة بين المرشحين المستقلين في وقت تتحالف قوى الطبقة الحاكمة في ما بينها.
وعلى هذا الأساس، تضمنت خطة العمل ثلاث مراحل: ترتكز المرحلة الأولى على تأمين الاستعداد الداخلي لكل مجموعة لخوض الانتخابات. ويتم تأمين هذا الاستعداد عبر قيام كل مجموعة ببناء ماكينات إنتخابية في الدوائر حيث تمتلك حيثيات انتخابية أكثر تأثيراً. ثانياً، اختيار المرشحين ضمن معايير محددة مرتكزة على الكفاية والنزاهة والسمعة الحسنة والقدرة على التأثير والاستقلالية التامة. ثالثاً، جذب مجموعة من الاكاديميين والخبراء لتطوير برامج سياسية بديلة مبتكرة وفعلية مبنية على البحث العلمي. هذا مع التشديد على أهمية التواصل والتعاون بين هذه المجموعات لتفعيل عملية نقل قدرات بناء سياسات التنظيم الداخلية.
بعد تحقيق المرحلة الأولى، تأتي المرحلة الثانية فتتمحور على إعلان نيات التحالف، حيث تنتظم المجموعات المنظمة انتخابياً وميدانياً لتعد إعلان مبادئ التحالف حول القضايا المشتركة استعداداً للانتخابات المقبلة وما بعدها. ويعني ذلك أيضاً أن تنسق هذه المجموعات مرشحيها لتجنب المنافسة ضمن الدوائر نفسها وانسحاب الواحد للآخر انطلاقا من احصاء علمي لاختيار المرشحين الأكثر حظاً للفوز. بعد تشكيل لوائح المرشحين وتأكيد جهوزية الماكينات الانتخابية، يطلق التحالف إعلامياً ليكون رافعة لكل المجموعات قبل الانتخابات.
أما المرحلة الثالثة والأخيرة، فتتركز على اطلاق التحالف وتنسيق ماكيناته الانتخابية ومرشحيه وبرامجه ضمن إطار موسع يضم أكبر عدد من المجموعات في لبنان.
في موازاة العمل على التنظيم لخوض الانتخابات المقبلة، هناك محطة اساسية وهي توافق السلطة السياسية الحالية على قانون انتخابي يلبّي مصالحهما وتحالفاتها. ومن المتوقع من المجموعات الفاعلة التنسيق والمشاركة في أي مبادرة للضغط من أجل نظام إنتخابي بالحد الأدنى مختلط بين الأكثري والنسبي يتضمن كل الاصلاحات المطروحة.
هناك فرصة حقيقية لإحداث تغيير في الطبقة السياسية الحالية، فلنستغلها.
0 تعليقات:
ارسال التعليق