تحميل.....

هل ترامب مخلِّص لمسيحيي المشرِق أم نبي دجال؟

منذ يومين

هل ترامب مخلِّصٌ لمسيحيي المشرِق أم نبيٌ دجّال؟

إن المعلومات الواردة في هذا الموقع متاحة للجميع، ويمكن إعادة استخدامها بشرط الإشارة إلى المصدر: الموقع الالكتروني لكلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية - الجامعة اللبنانية
 
حليم شبيعة - باحث وأستاذ جامعي
جريدة النهار 28 شباط 2017

خلال حفل تنصيب الرئيس دونالد ترامب في 20 كانون الثاني/ يناير 2017، بدأت تمطر، فاعتبر القسّ فرانكلين غراهام ذلك علامة رضى الله. وقبل بضع ساعات، كان ترامب قد سمع عظة القس روبرت جفرس التي قال فيها إنّ "الله هو مَن ينحّي الرؤساء ويعيّنهم."
بطبيعة الحال، ترامب ليس المرشح البديهي للعب دور "القائد - الخادم" على صورة المسيح، أي المضحي والمحبّ لأعدائه والذي يدير الخدّ الآخر، إلخ. ولكنّه حرص على أن يظهر بأنه يفهم دوره كحامي المسيحية والمدافع عنها. يبدو ذلك جليّاً في تصريحاته، انطلاقاً من تكراره لعبارة "سنقول ميلاداً مجيداً مجدّداً!" ووصولًا إلى ادعائه القائل "سندافع عن المسيحيين الأميركيين ونحترمهم. نعم، المسيحيين الأميركيين!"
لا شكّ في أنّ خطابه يتوجّه إلى ما يسمّيه البعض "عقدة الاضطهاد" التي تطغى على بعض الأوساط الإنجيلية وأوساط أخرى محافظة في الولايات المتحدة. وقد أكّد ترامب: "سنحمي المسيحية! فالمسيحية، هي محاصرة!" (وهنا، يتكلّم على المسيحية في الولايات المتحدة). وعلى حدّ قول أحد المعلّقين: "ثمة مرض في المسيحية الأميركية وترامب يستغلّه." فهذه التصريحات تحديداً هي التي جعلت من ترامب محبباً إلى قلوب بعض المسيحيين في الشرق الأوسط في ظلّ ما يعتبرونه هجوماً منهجياً على الوجود المسيحي في المنطقة، وخصوصاً وسط صعود الجماعات التكفيرية. وفق نجوى نجيب (مسيحية أشورية لبنانية وُلدت في لندن وتعيش في شيكاغو)، ترامب مفيد لمسيحيي الشرق ويتمتع بدعمهم لأنّ العامل الرئيسي المصيري للترحيب بترامب هو حماية المسيحيين، "علماً أنّ الخيارات محدودة والخطر كبير على استمرار وجودنا في الشرق الأوسط." ففي مقال كتبته نجيب وأعاد روبرت سبنسر نشره على مدونة "جهاد ووتش"، ادّعت نجيب أنّ "المرشحين الرئاسيين الأميركيين غير نافعين لمسيحيي الشرق - أقلّه لم يكونوا نافعين قبل ترامب. ولكنّ الوضع تغيّر الآن، فأصبح لدينا صوت كمسيحيين في الشرق الأوسط ولدينا موقع يلائمنا." وبكلّ فخر، نشرت مجموعة أصدقاء دونالد جاي ترامب في لبنان على صفحتها على فايسبوك تغريدة ترامب في 29 كانون الثاني / يناير، ومفادها: "يتعرّض المسيحيون في الشرق الأوسط إلى القتل بأعداد كبيرة. لا يمكننا أن نسمح لهذا الرعب أن يستمرّ!" ممّا استدعى ردّ أحد مستخدمي فايسبوك: "وكأنّ المسلمين في المنطقة يعيشون بهدوء وسلام!"
هل هو صراع الحضارات؟
نجح ترامب في التسويق لنفسه كحامي مسيحيي الشرق الأوسط، سائراً على خطى نظيره الروسي فلاديمير بوتين في تعامله مع المسيحيين السوريين واللبنانيين تحديداً، وقد وصف الاتحاد المسيحي الدولي بوتين بالرجل "الذي يلجأ إليه المسيحيون لمنع توسّع الدولة الإسلامية في الشرق."
ظاهرياً، ما من ضرر في تأييد رئيس أميركي لقضيتك. فمَن قد يرفض حماية ترامب لمسيحيي الشرق في حال كانوا فعلاً يتعرّضون للاضطهاد؟
ولكن، إذا نظرنا عن كثب، نجد أنّ هذه الادعاءات مجرّد لعبة استغلال سياسي رخيصة لمسيحيي الشرق الذين يُستخدمون كبيادق لتسجيل النقاط على الجبهة المحلية. وقد أشار العديد من المراقبين، ومن ضمنهم دانيل ويليمز في صحيفة واشنطن بوست، إلى أنّ خطاب ترامب ليس تعبيراً عن القلق تجاه المسيحيين بقدر ما هو استهداف لسلفه أوباما كي يظهر أنه يكترث لأمرهم أكثر من هذا الأخير، وذلك ليرضي بعض داعميه المسيحيين الأميركيين.
بمعنى آخر، يفرط المنتمون إلى اليمين المتطرّف، خصوصاً في الغرب، في استخدامهم لمصطلح "الأقليات" في خطابهم السياسي وإيديولوجياتهم ويستعملونهم كأمثلة تعكس كراهية الإسلام لأي شيء مرتبط بالغرب وتجسّد تناقض القيم الإسلامية بجوهرها مع القيم الغربية. وكما قالت نجيب بشكل صريح: "يمكننا الآن أن نردّ بتهكّم واثق عندما يدّعي المسلمون في الغرب أنهم لا يشكّلون خطراً على أميركا لأنّهم "يتعايشون مع المسيحيين" في بلادهم. وبات بإمكاننا تحذير الناس من خطورة فتح منفذ، مهما كان صغيراً، للمسلمين." لا تكمن المشكلة في الخطاب أعلاه في أنّ المسيحيين والأقليات الدينية الأخرى في الشرق الأوسط (مثل اليزيديين والبهائيين وغيرهم) لديهم مخاوف وهواجس وشكاوى مبرّرة تختلف بالطبع من بلد إلى آخر بحسب اختلاف السياق السياسي والديني. بالفعل، يجب أن تكون الدول ذات الأكثرية المسلمة منفتحة على نقاش صادق وصريح حول معاملتها للمواطنين غير المسلمين، ومستعدّة لإصلاح القوانين والممارسات التي تخالف حرية الضمير والمعتقد.
مع ذلك، الخطورة في خطاب ترامب (ولوبان وغيرهم) تكمن في تجسيده لمفهوم صراع الحضارات بين "الإسلام " و"الغرب"، حيث يشكّل المسيحيون الذين يعيشون في الشرق الأوسط ظاهرة "خارجية" أو "غريبة" تحتاج إلى الخلاص بمعزل عن البيئة الجغرافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي وُلدت فيها وتفاعلت معها على مرّ الأجيال. وتعليقاً على قرار "حظر المسلمين"، قال الكاردينال فينسنت نيكولاس، رئيس أساقفة وستمنستر للكاثوليك، إنّ ذلك يغذي "المفهوم المغلوط" لصراع بين المسيحيين والمسلمين ويوحي خطأً بأنّ المسيحية "ظاهرة غربية".
تجدر الإشارة إلى أنّ مفهوم "مسيحيي الشرق" بحدّ ذاته يطرح إشكالية. فهل يشكّل هؤلاء كتلة واحدة؟ وهل يمكن التعامل مع المسيحيين في أي بلد شرق أوسطي على أنهم كيان واحد؟
واستطراداً، هل سينقذ ترامب المسيحيين السوريين والمسيحيين الفلسطينيين أيضاً؟ أم أنّ المسيحيين الفلسطينيين لا يهمّونه، نظراً إلى أنّ السياسة الخارجية الأميركية تضع المصالح الإسرائيلية فوق أي اعتبار آخر؟
في الواقع، لا يمكن لمقترحات ترامب أن تخلّص مسيحيي الشرق إلّا بالطريقة نفسها التي تخلّص فيها الولايات المتحدة الإسرائيليين: أي عبر منحهم معاملة خاصة كمستوطنين مستعمرين بحاجة إلى الدعم والحماية. ولكن، انطلاقاً من تصريحات رجال الدين والسياسيين، ثمة جزء كبير - كي لا نقول الأكثرية - من المسيحيين في المنطقة لا يشبّهون علاقتهم بترامب بعلاقة الإسرائيليين بالولايات المتحدة. وقد وصف بطريرك الكلدان في العراق لويس روفائيل الأول ساكو قرار حظر دخول المسلمين إلى أميركا الذي أصدره ترامب والذي يمكن أن يستثني المسيحيين كـ"فخّ" لمسيحيي الشرق وكخطوة مضرّة على المدى البعيد. فهذه المفاهيم، وفق البطريرك، تغذي الإيديولوجيات المتطرّفة التي تعتبر المسيحيين في الشرق "أجساما غريبة، ومجموعات تدعمها وتدافع عنها القوى الغربية." وقال أيضاً إنّ "خيارات التمييز هذه تخلق وتغذي التوترات مع مواطنينا المسلمين" وإنّ "الذين يعانون ويطلبون المساعدة لا يحتاجون إلى تقسيمها وفقاً لتسميات دينية."
تعكس تصريحات البطريرك ساكو مجموعة واسعة من الأدبيات والمستندات الرسمية للكنيسة، وخصوصاً منذ المجمع الفاتيكاني الثاني الذي وضع رؤية للتعاون والتعايش والحوار والعيش المشترك والتضامن والتعاطف والاتحاد بدلاً من تكريس نظرة انعزالية للكنيسة المسيحية تصنّف المسلم كالـ"آخر".
وفي هذا السياق، يكفي أن نستذكر ما جاء في سياق رسالة الفصح حول الوجود المسيحي في الشرق التي أصدرها مجمع أساقفة الكاثوليك في الشرق عام 1992: "فلا يكفي أن يكون بعضنا بجانب بعض، بل يجب أن يكون بعضنا مع بعض، من أجل خير الإنسان في بلداننا." وبرأي أحد الأساقفة، يعني ذلك أنّنا "معاً (مسيحيين ومسلمين) ندافع عن الإنسان المتألّم في شرقنا، وعن حقوقه وعن كرامته."
هذا ليس ما قد يسمّيه البعض بالخطاب اليساري أو الليبرالي. وإنما هو عيّنة عمّا تبشر به العديد من الكنائس المسيحية الشرقية المحافظة وتسعى إلى تطبيقه، خصوصاً في أوقات الأزمات كالتي نمرّ بها الآن.
إذاً، يجب أن يسلّط أي نقاش حول مسيحيي الشرق الضوء على استئصال ما يُعرف بـ"الدولة الإسلامية" وعلى إزالة الخطر الذي تشكّله على المسلمين وعلى غير المسلمين على حدّ سواء وعلى أي شخص لا يتبنى فكرها، بما في ذلك الملحدين.
وبالدرجة نفسها، يجب التركيز على الحاجة إلى العدالة وإلى محاسبة الجرائم ضدّ الإنسانية وجرائم الحرب التي ارتُكبت في سوريا واليمن. وكذلك يجب معالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية في المنطقة التي تفاقمت من جرّاء الفساد والأنظمة المستبدّة التي تعتمد سياسات قمعية، من دون نسيان القمع المستمرّ للشعب الفلسطيني ولأي فرد ينتمي إلى أقليات مضطهدة أو أخرى تعاني من التمييز بسبب الدين أو المعتقد أو العرق أو التوجه الجنسي أو الرأي السياسي أو الجندر. "فلا يكفي أن يكون بعضنا بجانب بعض، بل يجب أن يكون بعضنا مع بعض." وأي شخص يبشّر بغير ذلك يكون دجّالاً لا مخلّصاً. 

تحميل

0 تعليقات:

ارسال التعليق