تحميل.....
منذ يومين

كي يكون الرئيس القوي

إن المعلومات الواردة في هذا الموقع متاحة للجميع، ويمكن إعادة استخدامها بشرط الإشارة إلى المصدر: الموقع الالكتروني لكلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية - الجامعة اللبنانية
 
عبد الله بوحبيب
نشر هذا المقال في جريدة السفير بتاريخ 2016-10-19 على الصفحة رقم 1 – الصفحة الأولى

طال موسم الانتخابات الرئاسية في لبنان. منذ 25 آذار 2014 ونواب لبنان يفشلون في محاولاتهم المتعددة لانتخاب رئيس للجمهورية. أسباب الفشل كثيرة، لكن هناك تركيزاً على الخلاف حول توصيف الرئيس العتيد.
البعض تعوّد منذ اتفاق الطائف على انتخاب رئيس للجمهورية تتفق عليه القيادات السياسية الاسلامية من دون الأخذ في الاعتبار وجهات نظر القيادات السياسية المسيحية. بينما كان العرف قبل اتفاق الطائف أن يرجّح النواب المسلمون كفّة أحد القادة المسيحيين المرشحين للرئاسة.
ومع قرب انتهاء الموسم الرئاسي يكثر الكلام عن توصيف الرئيس القوي. البعض يتهم بأن في ذلك عودة الى المارونية السياسية، وآخرون يبشّرون بنهاية السنية السياسية. لكن معظم الذين يطالبون برئيس قوي يتطلعون الى رئاسة مستنيرة تنقل لبنان من فوضى غير خلّاقة الى الحداثة والقرن الحادي والعشرين.
لذلك:
الرئيس القوي يجب أن تكون له حيثية سياسية في مكوّنه المسيحي وربما ينتمي الى، أو حتى يقود تكتلاً نيابياً انتخب معظم أعضائه في دوائر انتخابية أكثرية الناخبين فيها ينتمون الى المكوّن الذي يمثل.
الرئيس القوي يضمن المشاركة الحقيقية في الحكم في بلد تكوّن على التوازنات بين مكوّناته والاحترام المتبادل في ما بينها. منذ اتفاق الطائف والمكوّن المسيحي يمارس الطرق السلبية كوسيلة لمشاركته في الحكم، فنجح مرات وخسر أحيانا وبقي يشعر بالغبن والتهميش. المطلوب اذاً من الرئيس القوي أن يعمل على إعادة المكوّن المسيحي الى ممارسة الأساليب الإيجابية عند تعامله مع الدولة والمكوّنات اللبنانية الاخرى.
الرئيس القوي يجعل من مجلس الوزراء مركز القرار ومصدره، فلا يحتكر قراره رئيس الجمهورية كما كانت الحال قبل الطائف، ولا يحتكره رئيس الحكومة كما أصبحت الحال بعد الطائف.
الرئيس القوي يعمل للاتفاق على قانون عصري للانتخابات النيابية، يتصف بالميثاقية والإنصاف والعدالة، ويطمئن تنفيذه كلاً من المكوّنات اللبنانية على أن حقوقها ودورها ووجودها في لبنان مؤمّنة. الى ذلك، يجب أن يضمن القانون الجديد تداول السلطة ووصول الشباب والنساء الى الندوة النيابية، مما يسمح للأجيال الطالعة، ذكوراً وإناثاً، المشاركة الحقيقية في صنع مستقبل بلدهم.
الرئيس القوي يمارس واجباته الدستورية كـ «حَكَم» بين اللبنانيين، خاصة وأن الخلافات المستمرة والمستعرة في المنطقة تنعكس سلباً على استقرار لبنان وأمنه واقتصاده. لا يسْتَطيع أن يكون رئيس لبنان غير معني والخلافات الطائفية والمذهبية والإثنية تتفاقم في لبنان والمنطقة. على رئيس لبنان أن يحاول دائماً تقريب وجهات النظر وتضييق الفجوة بين اللبنانيين، خاصة وأن الانقسام السياسي بينهم يزداد مع الوقت.
الرئيس القوي مرجعه الدستور، أو «الكتاب» كما كان يسمّيه الرئيس فؤاد شهاب، خاصة وأن دستورنا لم يُحترم في العقدين الماضيين حين كان يعدَّل لاستفادة موقتة ويداس عند الحاجة، فمدّد للرؤساء ولمجلس النواب وكبار الموظفين بل إنه انتخب رئيساً للبنان من دون الاكتراث بمواد دستورية تمنع كل ذلك.
الرئيس القوي يتفهم الأعراف ويطبّقها لمصلحة لبنان واللبنانيين من دون تناقض مع الدستور. الميثاق الوطني، أهم الأعراف في لبنان، يطبّقه الرئيس القوي لطمأنة كل المكوّنات اللبنانية من دون تمييز بين كبيرة وصغيرة، فـ «لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك».
الرئيس القوي يضمن سلامة لبنان بتحييده عن الخلافات العربية على قاعدة «لبنان مع العرب اذا اتفقوا وعلى الحياد اذا اختلفوا.» هذه القاعدة لا تعني «النأي بالنفس» وتجنّب الإيجابية في علاقاتنا العربية والدولية. لبنان يعلو ويشمخ عندما يعمل لجمع العرب لا لتفريقهم، ولتوحيد كلمتهم ومواقفهم لا لتكثيف الخلاف في ما بينهم. هذه القاعدة تعني ايضا ان القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني تبقيان على رأس سلم أولويات سياسة لبنان العربية والدولية.
الرئيس القوي يوقف الفساد المستعر في كل قطاعات الدولة ويمنع المحاصصة بين السياسيين، ويعيد الهيبة والجدّ والجهد والفعالية الى دوائر الدولة المنهارة.
الرئيس القوي يتأكد من ان استخراج النفط والغاز من مياهنا الإقليمية يعود ريعه الى لبنان واللبنانيين، ولا يُقسّم حصصاً بين النافذين من أهل السياسة والأعمال والمال.
الرئيس القوي يسعى الى اقرار القوانين التي تجعل من لبنان مركزاً مالياً وتكنولوجياً دولياً، فيعيد الى لبنان عشرات الآلاف من شبابه المتفوقين والمنتشرين في اصقاع الكرة الأرضية، والذين وصلوا الى أعلى المراكز في أهم وأكبر الشركات العالمية في نيويورك ولندن وسنغافورة وهونغ كونغ ودبي وغيرها من عواصم المال و «الهاي تك».
الرئيس القوي ينهي الاحتكارات الصغيرة والكبيرة وألاعيب السياسيين وأصحاب النفوذ التي تمنع من أن يكون لكل اللبنانيين كهرباء 24/24. فهل يعقل أن اللبناني، بعد 26 عاماً من انتهاء الحرب، يحصل يومياً على ساعات إنارة أقل مما كان يعطى له خلال الحرب.
الرئيس القوي لن يسمح لأهل السياسة وأصحاب النفوذ بأن يتلاعبوا ببيئة لبنان، وطن السياحة والاستجمام، فتتراكم النفايات في شوارعه ووديانه، ويزدهر الذباب في منازل مواطنيه وحتى في مطاعمه ومكاتبه وشوارعه. كذلك، يعيد الرئيس القوي الى اللبنانيين شواطئهم ورمالهم وانهارهم.
أخيراً وليس آخراً، الرئيس القوي صاحب القرار السليم في الوقت المناسب وعندما تدعو الحاجة. ليس صاحب زند وعضلات تزيد الهوة في ما بين اللبنانيين. الخيارات الوطنية ليست بالضرورة سليمة، وعلى الرئيس القوي أن يعرف كيف يختار القرار المناسب والأفضل عندما تكون خياراته بين السيئ والأسوأ. 

تحميل

0 تعليقات:

ارسال التعليق