مَن يُعرقل المؤسَّسات ويُعطِّلها؟
جريدة النهار 6 آب 2016
انَّ مصلحة الوطن وبقاءه وسيادته قبل الأشخاص وفوق كل اعتبار. ولا بُدَّ من الصراحة في القضايا الأساسية التي لا تقبل التمويه والمساومة، وبالتالي فانّ مَنْ يُعطّل ليس حزباً بعينه أو حركة أو تياراً أو جماعة، وانما القوى الاقليمية والدولية تبعاً لسياساتها ومصالحها الاقتصادية والمالية والتجارية والعسكرية ومصلحة العدو الصهيوني وارتباط الداخل اللبناني، المنقسم على نفسه، بالخارج الأجنبي والخارج العربي المرتبط بدوره بالأول بنسبٍ متفاوتة. هذا الانقسام العمودي والأفقي يولِّد دائماً الاختلافات والاصطدامات لئلا نذكر "حرب الآخرين في لبنان" السيئة الذكر التي خرَّبت ودمَّرت وهجَّرت وكادت تقضي على الوطن .
انّ الفريقين السياسيين الأساسيين المؤلفين من /14/ و /8/ آذار يعرقلان المؤسَّسات الدستورية والقانونية ويعطلانها، على حدٍّ سواء، لعلاقاتهما بالخارج وارتباطهما به. الأمر الذي يتنافى مع السيادة والاستقلال والاستقرار ويتعارض معها. وهذا يجرُّ، اذا استمرَّ، الى التقاتل والحروب التي عانينا من ويلاتها الكثير، وربما الى التقسيم والتفتيت، وليس الى تغيير النظام فقط، ولو اقتصر الأمر على ذلك لهان ... يقول الله تعالى في التنزيل المجيد عن حرية الأديان والعقائد تاركاً الاختيار للناس على أن يكون الفصل والحساب يوم القيامة: "انّ الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين والمجوس والذين أشركوا ان الله يَفْصِلُ بينهم يوم القيامة ان الله على كل شيء شهيد". ويقول النبي محمد: "لا يؤمن أحدكم حتى يُحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه "، رابطاً الايمان بالمحبة. ويقول السيد المسيح: "أحبوا بعضكم بعضاً"، ويقول : "كل مملكة تنقسم على ذاتها تخرب ". ويقول أحد الفقهاء الفرنسيين :
"Un certain nombre de régimes politiques ont disparu en raison des divisions profondes qui marquaient le pays" .
وعودٌ على بدءٍ، نقول بحسٍ وطني خالص، وبنيّة صافية، بعيداً عن التعصّب والعاطفة والمصالح، انَّ مَنْ وقف وراء الترشيحات الرئاسية لا يريد اجراءها. فالأسماء المطروحة لا يمكن أن تمرَّ لأسباب كثيرة لا تخفى على أحد، بالاضافة الى أنَّ حصرها بأربعة مخالف للدستور والمساواة. ثمَّ بكل صدقٍ ومحبة، يتساءل الناس: هل انّ مَنْ أيَّد ترشيح الجنرال عون يَوَدُّ فعلاً اجراء الانتخاب، ونصف اللبنانيين على الأقل لا يريدونه؟!
وهل من رشَّح أو أيَّد ترشيح الدكتور جعجع يرغب فعلاً في اجراء الانتخاب، ونصف اللبنانيين الآخر على الأقل يعارض؟!
وهل مَنْ رشَّح الوزير فرنجية جادٌّ فعلاً في انجاز الانتخاب، وهناك من يعارض، وخصوصاً الكتلتين المارونيتين الكبيرتين؟!
واذا أردنا حصر الترشح بأربعة أسماء، وهذا مخالف للدستور والمساواة، فالأقرب لسائر الطوائف هو الوزير فرنجية، رغم صداقاته... لأنّ وطنه "دائماً على حق"، وفوق كل ميول وصداقات.
ولكن اذا حَكَّمنا العقل والمصلحة الوطنية والواقع الداخلي والاقليمي والدولي، فالأربعة غير مقبولين لأسبابٍ مختلفة، ومن الصعب، انْ لم يكن مستحيلاً انتخاب أحدهم. والبحث عن التوافق هو الحل برضى الخارج الاقليمي والدولي، والاَّ فعبث كل تحرُّك. وعليه لا يجوز لأي فريق أن يتَّهم الآخر، فالكل متهمون ومتورطون ومرتبطون ومعطلون. طبعاً لا يجوز التعميم غير أن القِلَّة ليست فاعلة.
واستطراداً، اذا لم يعد في الوطن غير عددٍ محدّدٍ لا يتجاوز الاثنين أو الأربعة من الطائفة المارونية الكريمة لملء سدة الرئاسة الأولى، فعلى هذه الطائفة السلام، وعلى لبنان الرحمة. ثمَّ أليس من المعيب والمسيء الى الوطن والشخصيات المارونية حصر العدد؟ وهل خلا لبنان من أبناء هذه الطائفة الجديرين المشهود لهم بالوطنية والعلم والثقافة والمقبولين من أكثرية اللبنانيين؟ وأكثر استطراداً، مَنْ ينتخب الرؤساء الثلاثة هل طوائفهم أم كل الطوائف؟! وفي كل الأحوال انّ انتخاب الرئيس واجب وطني وأخلاقي واستكمال للسلطة الاجرائية رغم النقص في الدستور لعدم وجود نصٍ ملزم.
ومخطىء من يظن أنّ انتخاب الرئيس، على وجوبه، يحلُّ الأمور الشائكة وينهي الصعوبات والتعقيدات، لأن ذلك مرتبط ارتباطاً وثيقاً، ليس بالحل في سوريا فحسب، بل بالحل الشامل في الشرق الأوسط، وبالحروب الدائرة في سوريا والعراق وليبيا واليمن، وبالقضاء على التنظيمات الارهابية، ورسم خريطة جديدة للشرق الأوسط وفق المخطَّط الأميركي السابق أو المعدَّل.
فلا يَلومَنَّ أحدٌ الاَّ نفسه، ولا يَخافَنَّ الاَّ على وطنه، ولا يُدافِعَنَّ الاَّ عن الحق وكل ما هو عادل وانساني وما يَصُبُّ في مصلحة وطنه.
يُروى أن "نابليون بونابرت" استعصى عليه دخول النمسا في احدى المعارك العسكرية، فتمَّ له ذلك بمساعدة ضابطٍ نمساوي. ولما جاء هذا لمصافحته، رمى اليه صِرَّةً صغيرة من الذهب، فَذُهِلَ الضابط، قائلاً : "انما أتيت لمصافحة الامبراطور العظيم"، فردَّ عليه: "هذا ثمنك فأنا لا أصافح مَنْ يخون وطنه وجيشه ".
0 تعليقات:
ارسال التعليق