خلفيات التوتر الإيراني التركي وأبعاده
د. خليل حسين
صحيفة الخليج - 26 شباط 2017
ما يجمع تركيا وإيران تحديداً في الأزمة السورية، أقل بكثير مما يفرقهما، فتصاعد التوتر في العلاقات مؤخراً، وإن لم يكن أمراً جديداً، مرده ما يجري في سوريا، وما يتصل بإدارة أزماتها دبلوماسياً وعسكرياً. وما حدث قبيل انطلاق مؤتمر أستانة الأسبوع الماضي، وما استتبع في «جنيف 4»، مؤشر واضح على مستوى العلاقات البينية التي حكمته مجموعة من العوامل، فيها الكثير من المتغيرات وقليل جداً من الثوابت.
فرغم التحولات التي ظهرت في مستوى التحالفات سابقاً، على قاعدة مساندة طهران للرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال الانقلاب في يوليو/تموز الماضي 2016 وما أعقبه، عادت عوامل مؤثرة أخرى لتلعب دوراً بارزاً في تباعد الطرفين، أبرزها وصول دونالد ترامب لسدة الرئاسة الأمريكية، وإعادة ترتيب مواقفه وسياساته مع أنقرة، وكان آخرها الاتصال الهاتفي الذي أعقبته زيارة مدير المخابرات المركزية الأمريكية إلى تركيا، الذي أعقبته أيضاً جولة تصريحات تركية إيرانية عالية النبرة، تضمنت مواقف يستشف منها صعوبة العودة ولو نسبياً إلى الوراء، وهذا ما انعكس أيضاً على ترتيبات مؤتمر أىستانة، الذي حضرته أنقرة بوفد منخفض التمثيل دبلوماسياً، إضافة إلى وفد المعارضة السورية الذي يمثل وجهة النظر التركية في هذا المجال.
وبصرف النظر عن النتائج والتداعيات التي سيرخيها مؤتمر «جنيف - 4» لاحقاً، وهي بطبيعة الحال لن تكون أفضل حالاً من المؤتمرات السابقة، بل من الممكن أن تعود بالعلاقات التركية الإيرانية إلى المربع الأول، بالنظر لتضارب وجهتي النظر تجاه آليات حل الأزمة السورية، وطبيعة التحالفات القائمة حالياً، وما يمكن أن يجرى عليها من تعديلات جذرية. فعلى الرغم من عدم وضوح مواقف الإدارة الأمريكية تجاه العديد من أزمات المنطقة، فإن ما جرى مؤخراً، يوحي بأن تغيراً ما تحاول واشنطن المضي فيه، لجهة سحب تركيا من الحضن الروسي، وإعادة ترتيبه ضمن أولويات سياساتها المتصلة بدور تركيا التاريخي، ربطاً ووصلاً باستراتيجيتها الشرق أوسطية مع بعض التعديلات إذا اضطر الأمر. وهذا ما يقلق كلاً من طهران وموسكو في آن معاً، الذي ترجم، وسيترجم عملياً في مسار الأزمة السورية ومتفرعاتها. وهذا ما ظهر عملياً في عدم ثبات وقف إطلاق النار في الميدان السوري في الحدود الدنيا المتفق عليها سابقاً.
إن إصرار تركيا على إقامة المنطقة الآمنة على حدودها مع شمال سوريا، وما أحيته من آمال عبر المواقف الأمريكية، شكل نقطة تحوّل في توتير الأجواء بين أنقرة وطهران، وهو أمر يعتبر استراتيجياً في أجندة كل من البلدين، وبالتالي يعتبر من القضايا التي يصعب الحسم، أو التنازل، أو التسوية فيها، وستظل موضع شد وجذب كبيرين بين الطرفين، لاسيما وأن أنقرة كانت استفادت عملياً من السابقة نفسها مع العراق، وهي تحاول حالياً المضي في السياق ذاته، مع اختلاف بعض الظروف والأهداف والوسائل.
إن وجهة نظر طهران وحلفائها في الأزمة السورية، تميل إلى تغليب بيئة التغييرات الحاسمة في الميدان السوري عسكرياً لإعادة إطلاق العمل بالحل السياسي، فيما تعاكس أنقرة وحلفاؤها من المعارضة ذلك، وتعتبر الحل السياسي له الأولوية، ومن ضمنه تقرير مصير النظام في سوريا عبر قرار مجلس الأمن 2254، مترافقاً مع ما يساند ذلك في الميدان، الأمر الذي يعتبر عاملاً إضافياً موترا لطبيعة التحالفات الظرفية القائمة، وبخاصة الجانبان التركي والإيراني.
صحيح أن أنقرة وقفت إلى جانب طهران في بعض مفاصل أزمة البرنامج النووي ضمن البيئة الأمريكية قبيل التوصل إلى الاتفاق الدولي، وصحيح أيضاً، أن ما يربط بين تركيا وإيران تجارياً واقتصادياً رقم يُعتد به، وصحيح أيضاً وأيضاً، أن ثمة الكثير من الظروف المشتركة التي يوليها الطرفان أهمية بارزة في سياستهما الخارجية، إلا أن بعض التحولات الحاصلة، وبخاصة الأمريكية منها، توجب التدقيق في مستوى ما يمكن أن تكون عليه العلاقات البينية الإيرانية التركية، وما جرى مؤخراً دليل واضح على الاتجاه الذي ستسير فيه الأمور، وهو ما يشي باستمرار تصاعد التوتر، كلما تدخلت فيه عوامل ومؤثرات إقليمية ودولية.
0 تعليقات:
ارسال التعليق