عن الجامعة اللبنانية ورئيسها الجديد
نشر هذا المقال في جريدة السفير بتاريخ 2016-08-27 على الصفحة رقم 11 – قضايا وآراء
جرت العادة ألا تقف معاناة الجامعة اللبنانية عند حدود الإهمال الذي تتعرّض له من قبل أهل السلطة، بل التعدي إلى محاولات اتخاذها وسيلة للتجاذب السياسي، وتصفية الحسابات والمحاصصة٬ شأنها شأن كل ما يفترض أن يكون مؤسستياً على مستوى الوطن.
طبقاً للسائد والمألوف، لم يجرِ يوماً ترشيح رئيس للجامعة وتعيينه، خارج احتكار القرار لدى القوى السياسية والحزبية الفاعلة في البلد. كما لم يتم قط التعامل مع الجامعة بوصفها مؤسسة وطنية مستقلة، وبمعزل عن كونها جزءاً من التناتش السياسي. غير أن هذه المرة، وفي ظل إعادة تشكيل مجلس الجامعة، وتطبيق القانون 66 الذي أتاح لها انتخاب مرشحيها للرئاسة، يبدو أن الجامعة تقدّمت خطوة إلى الأمام على طريق إصلاح شأنها واستعادة استقلالها.
ومع أن الجامعة اللبنانية تُشغل مساحة علمية وأكاديمية على امتداد الوطن، فإنها لم تستطع يوماً أن تنأى بنفسها عما يصيبه من لوثة الفساد والاجتماع والسياسة؛ فيما المؤمل، في المرحلة الراهنة، أن يشكل استحقاق تعيين رئيس جديد للجامعة فرصة لاستكمال مسيرة النهوض بها وتطويرها أكاديمياً وبحثياً وإدارياً، حيث استطاع مجلس الجامعة أن ينتخب لأول مرة، مَن يمثل الجامعة في موقع الرئاسة، وبالتالي جعل خيارات السياسيين محدودة في خانة ما يريده أهل الجامعة.
بالعموم، يعمل الفساد في لبنان باتجاهين، ذهاباً وإياباً. ومن المفارقات عدم اقتصاره على تعيين عديم الكفاءة في موقع المسؤولية، بل العمل بشتى السبل على منع الشخص الأكفأ من تبوؤ المنصب المناسب. الجامعة اللبنانية ليست بمنأى عن الاستهداف على هذه القاعدة. يندرج في هذا الإطار تعرّض أحد المرشحين الأكفاء لرئاستها من خلال بث الشائعات لمحاولة تشويه صورته وقطع الطريق أمام وصوله للرئاسة، في ظل تقاطع تآمري بين وسائل إعلام وسياسيين، فيما أهل الجامعة يدركون أنه من أصحاب الخبرة والعلم ونظافة الكف.
تخوض الجامعة صراعاً بين مَن يريدها أن تكون امتداداً طبيعياً لحالة السلطة المتردية في البلد، وبين مَن يريد تطويرها أكاديمياً والحفاظ على هويتها الوطنية. الجامعة تتعرّض، على هذه الخلفية، إلى حملة تراوح بين الإهمال والإلغاء. ليس أدلّ على ذلك من تفريخ عشرات الجامعات على ضفافها بهدف إفراغها من طلابها وطاقاتها التعليمية، وتقليص موازنتها سنوياً بما يؤدي إلى الحدّ من إنتاجيتها، إضافة إلى منع التوظيف عنها ومصادرة بعض صلاحياتها من قبل مجلس الوزراء.
لم تفقد الجامعة اللبنانية كونها مؤسسة يُعتدّ بها على الصعيد التعليمي والبحثي، برغم شح الإمكانات واضطراب أحوال البلد والدولة. كما لم تخرج عن كونها حاضنة وطنية لمختلف المكونات المجتمعية في لبنان، برغم ما يعتريها من تجاذبات حزبية وطائفية. غير أن النهوض بها يستدعي النأي بها عن محيطها «اللبناني» المشبع بالفساد والطائفية والمحسوبيات. في غير هذه الحالة، ستبقى محاولات الارتقاء بالجامعة الأم إلى مستوى الطموح محدودة الأثر والنتائج.
0 تعليقات:
ارسال التعليق