رئاسة المجلس النيابي ولاية ودوراً وخبرة
نشر هذا المقال في جريدة السفير بتاريخ 2016-12-10 على الصفحة رقم 2 – لبنان
تتباين الاحكام الضابطة لولاية رؤساء المؤسسات الدستورية: رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب ورئاسة الحكومة إلا انها تلتقي في نشوئها المستمَدّ من مبدأ الفصل بين السلطات. ومن هذه المفارقة يقع كثيرون في مطب الخطأ عندما يقيمون ولاية رئيس على أساس تداول السلطة بدلاً من مبدأ الفصل بين السلطات.
فرئيس الجمهورية الذي يتمتع بالولاية الأطول من بين الرؤساء الثلاثة من غير الجائز دستورياً أن يبقى في سدة الرئاسة أكثر من ست سنوات، إلا إذا قرّر الترشح مجدداً بعد مرور ولاية على انتهاء ولايته أي تلي انتهاء الولاية الأولى (المادة 49 ـ دستور).
أما الحكومة، فولايتها محكومة بواحدة من ست حالات منها إرادي غير مضبوط بوقت محدد، كما استقالة رئيسها أو أكثر من ثلث أعضائها أو نزع الثقة عنها ومنها فجائي كوفاة رئيسها؛ والأهم هنا هو ارتباط استمرار ولايتها بواحد من استحقاقين: عند بدء ولاية رئيس الجمهورية أو بدء ولاية مجلس النواب المنتخب.
أما رئيس المجلس الذي تجنّب المشترع تقييد استمرار رئاسته بعدد محدد من السنوات، فقد عمد إلى تحديدها بـ «مدة ولاية المجلس» وفق نص المادة 44 ـ دستور.
أما ولاية المجلس النيابي فهي مرتبطة بقانون الانتخاب القابل للتعديل باعتباره قانوناً عادياً وليس دستورياً على غرار التعديل الذي جرت على أساسه انتخابات 1996.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن ولاية رئيس مجلس النواب قابله للانتهاء لجهة نزع ثقة المجلس عن رئيسه، وفقاً لما ورد في المادة 44، فجاء بعد عامين من انتخاب رئيسه أن ينزع الثقة من رئيسه...».
ويتبيّن من النصوص السابقة أن رئاسة مجلس النواب وإن كانت مدة ولايتها أربع سنوات، وفقاً لقانون الانتخاب النافذ الإجراء مقابل ست سنوات لرئيس الجمهورية، إلا ان رئاسة المجلس تبقى مشرّعة الأبواب أمام الرئيس الذي انتهت ولايته بانتهاء ولاية المجلس. أما تجديدها، فيتطلب أولاً الفوز بالانتخابات النيابية باعتبار أن رئيس المجلس يجب أن يكون نائباً، وهذا ما يميِّز ولايته عن ولاية رئيس الجمهورية ورئاسة الحكومة.
مَن هو رئيس المجلس النيابي الذي اولاه المشترع «حصانات» وخصائص ينفرد بها من بين الرئاسات الثلاث؟
في الدستور، لا ذكر لرئيس المجلس إلا في ثلاث مواد هي:
المادة 19 ـ دستور بإيلائه حق الطعن بالقانون امام المجلس الدستوري، وهذه الصلاحية بروتوكولية باعتبار أن الرئيس يمثل المجلس ويتكلم باسمه كما سيرد لاحقاً في النظام الداخلي لمجلس النواب، ومن غير المنطقي أن يقدم رئيس على الطعن بقانون أقرّه المجلس الذي يمثله.
ويرد اسم رئيس المجلس في المادة 73 ـ دستور بإيلائه صلاحية دعوة المجلس لانتخاب رئيس الجمهورية «قبل موعد انتهاء ولاية الرئيس بمدة شهر على الأقل أو شهرين على الأكثر»، ومثل هذه المدة تقيّد الرئيس في حرية دعوته للجلسة وبالتالي ليست مطلقة.
وتتيح الفقرة الثانية من المادة 53 ـ دستور لرئيس المجلس «التشاور مع رئيس الجمهورية لتسمية رئيس الحكومة المكلف تشكيل الحكومة بعد إجراء الاستشارات النيابية»، وهذا التشاور المبني على نتائج الاستشارات، ليس تقريراً بقدر ما يمكن اعتباره «إدلاء شهادة».
ويرد اسم رئيس المجلس في المادة 95 ـ دستور لجهة مشاركة رئيس المجلس بالهيئة الوطنية المكلفة دراسة الطرق الآيلة لإلغاء الطائفية السياسية.
إن مثل هذه الصلاحيات التي أولاها المشترع الدستوري لرئاسة مجلس النواب لا ترتقي إلى الدور الذي تقوم به رئاسة المجلس، وبالتالي إلى الأحكام التي وصفها المشترع لولايته، فمن أين جاء الرئيس بدوره الذي جعلته الرئيس الثاني في تراتبية الرئاسات؟
من الملاحظ أن المشترع أولى مجلس النواب صلاحية وضع نظامه الداخلي في المادة 43 ـ دستور، ولم يضع أي قيد أو شرط، لهذا النظام الذي من البديهي ألا يتعارض مع أحكام الدستور.
انطلاقاً من ذلك، يمكن اعتبار أن النظام الداخلي يرتقي بموجب هذه «الوكالة» أو التفويض إلى مصاف الأحكام الدستورية. وفي هذا النظام جميع النصوص المتعلقة بأعمال مجلس النواب ودور رئاسة المجلس فيها.
أما الأمر الثاني، وهو الأهم، فيكمن في شخصية رئيس المجلس، ولذلك قبل منذ زمن بعيد «أن نفوذ رئاسة المجلس ينبع من شخصية الرجال الذين يتولّون الرئاسة». ولذلك يقول البعض إن نفوذ رئيس المجلس أعظم من سلطته.
من هنا، نجد أن الأكثرية الساحقة من المجالس الأوروبية والدول المتقدمة تلجأ دائماً إلى التمسك برئيسها عندما تختبر شخصيته ومواصفاته عملياً بعد الولاية الأولى له فيترشح للانتخابات من دون وجود مرشح حقيقي منافس له وتكون إعادة انتخابه في المجلس الجديد بشبه إجماع او إجماع في معظم الأحيان برغم وجود حياة حزبية ناشطة في تلك الدول. ولعل هذا ما حدا برئيس مجلس الشيوخ الفرنسي هريو للقول: «إن رئيس المجلس الذي لا يؤيد ويعزز حقوق المجلس وواجباته هو لرئيس دون شرف».
انطلاقاً من هذه كلها وغيرها، تنقلب معادلة مبدأ «تداول السلطة» بالنسبة لرئاسة مجلس النواب رأساً على عقب بالنسبة للرئاسات الأخرى. فرئيس المجلس الناجح هو الرئيس الذي كلما تكررت ولايته تعاظمت الشهادة بحسن قيادته ولا يسأل هو عن ذلك إنما تقييم «الهيئة الناخبة»، أي مجالس النواب التي تكون قد تعاقبت وتغيّرت وتبدّل أعضاؤها ولم يتبدّل رئيسها.
وفق تلك المعطيات، كيف يمكن تقييم رئاسة المجلس حالياً، تُترك الإجابة عن هذا السؤال إلى «ذمة الهيئة الناخبة»، فعندما انتخب نبيه بري رئيساً للمجلس للمرة الأولى في 20 تشرين الثاني 1992 كان فوزه بأكثرية 105 من أصل 124 نائباً صوّتوا، ولكن في المرة الثانية (22 تشرين الأول 1996)، عاد ونال 122 من أصل 126. وفي سنة 2000، نال 124 من 126. وفي سنة 2005 نال 90 من أصل 128، وهكذا في انتخابات 2009 واعتبر النواب يومها أن تقليص العدد لم يكن اعتراضاً على دور رئيس المجلس إنما بسبب التباين في بعض القضايا ذات الطابع السياسي بين الكتلة المعارضة وبين الكتلة التي يرأسها بري.
نختم بقول لرئيس المجلس الوطني الفرنسي الأسبق اندريه شوفاجو: «إن الرئيس المثالي الذي يتوق إليه النواب هو الذي جعلت الخبرة منه مدرسة شاع صيتها في أكثر البلدان».
0 تعليقات:
ارسال التعليق