تحميل.....

قمة ترميم العلاقات الروسية التركية

منذ 3 أيام

قمة ترميم العلاقات الروسية التركية

إن المعلومات الواردة في هذا الموقع متاحة للجميع، ويمكن إعادة استخدامها بشرط الإشارة إلى المصدر: الموقع الالكتروني لكلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية - الجامعة اللبنانية
 
د. خليل حسين - [أستاذ القانون الدولي والدبلوماسي في الجامعة اللبنانية]
جريدة الخليج تاريخ 12/8/2016

أتت القمة التركية الروسية في أدق الظروف وأكثرها حراجة بالنسبة لأنقرة، وتعبر عن حيرة تركية واضحة بعد الانقلاب الأخير، وليس صدفة أن يصف دعم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين له بعيد الانقلاب بساعات ، بأن موقفه قد أسر الشعب التركي، وإذا كان هذا الوصف ذو دلالات رمزية، فهو في هذه المرحلة بالذات يشكل أسرا حقيقيا من الصعب على تركيا تجاوزه بسهولة ، بالنظر لمعطيات كثيرة من بينها الاقتصاد والتبادل التجاري بين الطرفين.  
فما ظهر من القمة كان واضحا، عين رجب طيب اردوغان كانت على التبادل التجاري ، فيما العين الروسية كانت على الأزمة السورية، وفي كلتا الحالتين ثمة مصالح مشتركة ،تدفع الطرفان للتفكير مليا بحسابات الربح والخسارة، إن كان في الاقتصاد أو السياسة، إلا أن الكفة الروسية بالتأكيد ، تبدو أكثر رجحانا وقدرة على التحكم في الكثير من المعطيات، الأمر الذي يجعل أنقرة أسيرة المواقف الروسية بشكل فعلي. 
وإذا كان الهدف التركي واضحا لجهة ترميم العلاقات التجارية ، فان الرئيس الروسي لم يعط أردوغان وعودا محددة، بل ثمة أجوبة واضحة بان السياسة تأتي أولا ، والاقتصاد موضوع يتبع، وبالتالي ما أرادته موسكو مواقف محددة من الأزمة السورية ، وهو جوهر تدهور العلاقات بين الطرفين، وهي مسألة أجاد الرئيس الروسي في استثمارها في العلاقات البينية ، وبخاصة في المرحلة التي أعقبت الانقلاب، حيث الحاجة التركية تبدو واضحة ،بعد العزلة الدولية الناجمة عن سلوك أردوغان  في مواجهة الانقلاب والذي وصفه الغرب بالانقلاب الثاني على قضايا حقوق الإنسان في الداخل التركي. 
في أي حال من الأحوال ،ثمة حاجة متبادلة بين الطرفين لترميم العلاقات ، لكن الأثمان المتبادلة تبدو محرجة لتركيا، وتتطلب توازنات دقيقة مع حلفائها الآخرين في الأطلسي ، في الوقت التي تبدي تذمرا واضحا في تكييف سياسات الغرب مع سياساتها الإقليمية وبخاصة الأزمة السورية وملفاتها المتفرعة ، إضافة إلى الملفات التجارية التي تراجعت إلى مستويات مؤذية بالنسبة لأنقرة. 
ففي لغة الأرقام، اتفق البلدان قبل أزمة الطائرة الروسية على رفع حجم التبادل التجاري إلى 100 مليار دولار، إضافة إلى تعزيز المشروعات المشتركة في مجالات الطاقة والسياحة والمنتجات الصناعية والغذائية والاستثمارات المتبادلة. إذ احتلت روسيا خلال العام الماضي، المركز الثاني ضمن قائمة الدول الأكثر استيرادا للمنتجات التركية، فيما احتلت المرتبة الثالثة بين الدول الأكثر تصديراً إلى تركيا، حسب بيانات هيئة الإحصاء التركية، وخدمة الإحصاء الفيدرالي الروسية. كما وصل حجم التجارة الخارجية بين موسكو وأنقرة في العام 2008، إلى 38 مليار دولار، إلا أنها تراجعت إلى 23.3 مليار دولار في 2015 بسبب تراجع الاقتصاد الروسي ،جراء تدهور أسعار النفط. كما أسهمت حادثة إسقاط المقاتلة الروسية، في تراجع حجم التبادل التجاري بين الطرفين بشكل ملموس، إذ وصلت نسبة الصادرات التركية إلى روسيا خلال النصف الأول من 2016،إلى 60.5 في المئة، مقارنة بالفترة ذاتها من 2015. وبعد أشهر من التصعيد المتبادل  بين الطرفين، تجاوبت موسكو بسرعة لم تكن متوقعة مع الاعتذار التركي ، ورفعت العقوبات المفروضة على القطاع السياحي التركي ، الذي تضرر بشكل كبير جراء مقاطعة السياح الروس الذين تراجعت أعدادهم بنسبة 93% في حزيران 2016 ،مقارنة مع الشهر ذاته من العام 2015. ومن المتوقع إعادة إحياء مشروع مد أنبوب الغاز "تركستريم" إلى أوروبا الذي من المفترض أن ينقل 31.5 مليار متر مكعب سنويا إلى تركيا عبر البحر الأسود ومحطة اكويو النووية التي ستبنيها روسيا. 
في مقابل الجانب التجاري، ثمة تذمرا روسيا كبيرا من المواقف التركية في الأزمة السورية وتداعياتها على التدخل العسكري الروسي، الذي كاد أن يصل إلى صدام عسكري مباشر، الأمر الذي أربك موسكو ومقاربتها لإدارة ملفات الأزمة السورية ووسائل حلها مستقبلا، إذ أتت القمة مناسبة روسية هامة لاستدراج عروض تركية في هذا المجال، وفي وقت حرج تبدو أنقرة أكثر استعداد لولوج وسائل مرنة مع موسكو في هذا المجال. 
في مطلق الأحوال، حكمت العلاقات الروسية التركية العديد من الاعتبارات والمحددات السياسية وغيرها، لكن الجانب التجاري ظل وازنا في تحديد منسوب العلاقات وعدم اندفاعها نحو الأسوأ، ويبدو أن الطرفين يدركان بدقة أهمية ترميم العلاقات ومدى استفادة كلا الطرفين من البرغماتية المتبادلة التي يحتاجها الطرفان في الظروف السابقة وبالتأكيد اللاحقة، فتركيا اليوم لم تعد دولة حاجزة كما وضعت في إبان حقبة الحرب الباردة، وموسكو اليوم ليست سوفياتية ، إنها سياسات المصالح التي تجمع الأعداء وتفرق الحلفاء!

تحميل

0 تعليقات:

ارسال التعليق