الصحوة الكردية تدق الباب الايراني
جريدة النهار تاريخ 4 آب 2016
بعد هدوء دام عقدين، بدأت تلوح بوادر تمرد في كردستان الايرانية. واذا كانت المواجهات بين الحرس الثوري والمتمردين الاكراد ولاسيما قرب الحدود العراقية لاتزال محدودة، إلا ان مجرد حدوثها بعد فترة من الصمت الطويلة تطرح التساؤلات عما اذا كان اكراد ايران الذين يشكلون اقلية من نحو سبعة ملايين شخص يراودهم حلم الصحوة الكردية والطموح الى الحكم الذاتي كما جرى في كردستان العراق وكما يجري الاعداد له في المناطق الكردية السورية؟ وهل هذه الصحوة جزء من خطة دولية لاعطاء الاكراد الكيان المستقل الذي حرموا منه ام جزء من خطة خارجية لاغراق ايران بمشكلات داخلية لاشغالها عن تطلعاتها الاقليمية؟
لاشك في ان الصحوة الكردية في العراق وسوريا بلغ صداها الأكراد في إيران، الذين يسعون الى توحيد الصفوف في محاولة لاستعادة ما يعتبرونه حقوقا مسلوبة من الدول التي تتقاسم أراضي "كردستان التاريخية". فبعد انهيار السلطنة العثمانية، كرست الخريطة الجديدة للمنطقة، التي رسمتها الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى صعوبة إقامة "الوطن الكردي"، بعدما بات الشعب الكردي مشرذما في بقعة جغرافية تتقاسمها سوريا والعراق وتركيا، إلى إيران.
وخاض أكراد إيران مواجهات مع السلطات الإيرانية المتعاقبة منذ مطلع القرن الماضي، ضمن عناوين وأهداف اختلفت وفق الظروف السياسية الإقليمية والدولية، وذلك على غرار "نضال" الاكراد في العراق وتركيا، الذي اعتبرته أنظمة هذه الدول "تمردا". وكاد أكراد إيران، الذين ينتشرون على وجه الخصوص في محافظات كردستان وكرمانشاه وأذربيجان الغربية وإيلام في شمال إيران وغربها، بعد نزاعات عدة ، يحققون حلم الدولة عام 1946، حين أعلنوا "جمهورية مهاباد" في عهد الشاه محمد رضا بهلوي. لكن السلطات الإيرانية انذاك نجحت، بعد أشهر قليلة، في القضاء على الدويلة الوليدة، لتستمر علاقة المد والجز مع نظام الشاه، وصولا إلى عام 1979 حين أطاحت الثورة الإسلامية نظام الشاه. ورفضت الأحزاب الكردية في إيران الدستور الجديد للجمهورية الاسلامية، بعدما اعتبروا أنه يكرس العنصرية والتفرقة بين المواطنين. مرة اخرى قمعت السلطات الجديدة انتفاضة الاكراد التي استمرت من 1979 إلى 1988، تاريخ انتهاء الحرب العراقية الإيرانية. ومنعت الاكراد من المشاركة في الحياة السياسية بشكل مستقل وحظرت الأحزاب الكردية، ولاسيما تلك التي تطالب بإقامة نظام فيديرالي في إيران. ومن بين هذه الاحزاب ، الحزب الديموقراطي الكردي الايراني الذي لجأ بعض افراده الى كردستان العراق واقاموا مراكز تدريب وايواء. وكذلك "حزب الحياة الحرة" الكردي (بيجاك) الذي يعتبر الذراع الايرانية لحزب العمال الكردستاني واتخذ ايضا من شمال العراق مقرا لمقاتليه.
اللافت في أمر الحراك الكردي الجديد أن حزبا عريقا مثل الحزب الديموقراطي الكردستاني في إيران قد انضم إلى خيار القتال العسكري معلقا بذلك قراره عام 1996 بوقف العمل المسلح ووقف النار. وقال مراقبون أن الحزب الذي أسس قبل 70 عاما للدفاع عن استقلال الأكراد المستلهم من جمهورية مهاباد قصيرة العمر، اتخذ قرار الحرب بناء على معطيات جديدة يراها مؤاتية لإعادة فتح الملف الكردي في إيران.
ونقلت صحيفة "التايمس" البريطانية عن القائد العسكري للحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني شورش إبراهيمي بعد سلسلة هجمات نفذها مقاتلي الحزب ورد عليها الحرس الثوري، "إن لا خيار لدى الأكراد سوى امعاودة القتال لإنهاء معاناتهم وإذا لزم الأمر فسيعلنون انتفاضة ضد إيران ".
ويقول مراقبون أن هذا الحزب الكردي الإيراني صار ينظر لقضيته على أساس انها لا تختلف في شيء عن قضايا أكراد المنطقة وتاليا شد العزم على انتزاع الحق الكردي التاريخي في دولة تجمع شتاته وقرر العمل على ذلك من إيران مثلما يعمل نظراءه من الأحزاب الكردية الأخرى في الدول المجاورة، وأنه لن يتردد على خوض هذه المعركة الجديدة، ولو باستخدام السلاح. ويؤكد هؤلاء أن الحزب الديموقراطي بدا في محاولات لتوحيد صفوف الأكراد الإيرانيين المشتتة خلف أحزاب ضعيفة عدة وتكوين جبهة داخلية متماسكة لاستعادة الزخم لحيوية النشاط الكردي في إيران.
ويدعي الحزب الديموقراطي مثله مثل "حزب الحياة الحرة" انه الممثل الشرعي للاكراد في ايران، وهذا خلاف بسيط امام المشكلة الاكبر المتمثلة بخلافهما مع حكومة كرستان العراق التي تعارض اللجؤ الى العنف من اراضيها ضد ايران وضد تركيا. واذا كان اقامة الدولة الكردية هدف رئيسي تجمع عليه كل الاحزاب والفصائل الكردية، فإن ما يفرق بينهما اكثر مما يجمع، بدأ من الايديولوجيا وصولا الى المصالح التي تحدد برامج وتكتيكات واستراتيجيات كل مجموعة. فحكومة اقليم كردستان تحافظ على علاقات وثيقة مع تركيا من اجل الاستمرار في تسويق النفط الكردي عن طريق ميناء جيهان التركي الى العالم على عكس "حزب العمال الكرستاني" الذي يخوض قتالا شرسا في الداخل التركي من اجل الانفصال. والامر نفسه ينطبق على علاقة هذه الحكومة مع طهران. وطالبت القيادة الكردية الرسمية في العراق من الفصائل الكردية الايرانية الكف عن المواجهات مع الحرس الثوري خشية من جر ايران الى كردستان العراق لضرب مواقع المتمردين في شمال المنطقة الكردية كما يفعل الجيش التركي الذي يشن غارات متواصلة على مواقع حزب العمال في الاقليم نفسه.
وتسري تكهنات بإن الولايات المتحدة والسعودية واسرائيل يشجعون سرا المتمردين الاكراد الايرانيين من اجل اشغال ايران واضعاف نفوذها في سوريا خصوصا. لكن البعض يرفض هذه النظرية ويعتقد ان الحزب الديموقراطي الكردي في ايران يحاول عبر مناوشاته العسكرية فرض نفسه كجزء من ذلك الكيان الكردي المؤيد للغرب والمعادي لايران من اجل الحصول على نصيب من الدعم المالي الذي تقدمه الولايات المتحدة للاكراد في سوريا والعراق.
ومن جانبها تخفي طهران قلقا حقيقيا من مغبة تصاعد الهجمات العسكرية التي ينفذها الاكراد لاسيما أن الحراك الكردي الجديد يبدو جماعيا ويطاول مجموعات وفصائل كردية مختلفة من جهة، ويأتي متأثرا بمزاج دولي تتفق فيه موسكو وواشنطن على دعم الأكراد في المنطقة من جهة اخرى.
ويقول مراقبون إن طهران تجد نفسها في مثل هذه المواجهات مورّطة بين ما يقتضيه واجب الدعاية لجهوزية تشكيلاتها المسلحة ضد أي خطر داخلي او خارجي يتهدد وحدتها الترابية، وبين ضرورة أن تمر مثل هذه الأحداث بأقل صخب إعلامي ممكن حتى لا تستقر في أذهان الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي أن ايران لا تختلف في شيء عن باقي دول المنطقة التي تتأجج فيها النزعات الانفصالية الكردية، وأن هذه الدولة المحكومة بقبضة حديد و توجد فيها قضية حقوق كردية مضطهدة بقوة السلاح. ويضيف هؤلاء إن إيران تحسب جيدا لهذه القوة الكردية الاجتماعية الظاهرة بين مكوناتها العرقية والدينية، وهي تبني سياساتها تجاههم على أساس أنهم يشكلون قنبلة موقوتة جاهزة للانفجار بوجهها في اي وقت تماما مثلما يحصل اليوم في وتركيا وسوريا ولاسيما في العراق حيث لا يخفي مسعود البارزاني هدفه الاسمى بتحقيق دولة كردستان الكبرى هذا طبعا بعد إعلان دولة إقليم كردستان العراق لتكون قاطرة لهذه الوحدة الكردية الإقليمية.
وتعمل إيران على عزل الحراك الكردي عن حراك الأقليات الأخرى الناشطة من أهوازيين وبلوش وآذاريين، ذلك أن قضية القوميات متعددة ومعقّدة في إيران، بحيث أن التسامح مع المطالب الكردية سيفتح الباب واسعا أمام مطالب القوميات الأخرى. ولا تتردد الأدبيات الإيرانية الرسمية في اعتبار حراك القوميات مؤامرة دولية ضد "الثورة" في إيران، ما يعرّض الناشطين إلى اتهامات بالخيانة العظمى يّرد عليها بأقصى العقوبات تصل إلى حد الإعدام. كما تمثل مسألة مواجهة الحراك الكردي قاسما مشتركا لطالما عبر عنه مسؤولو النظامين في تركيا وإيران برفضهما الشديد لإقامة كيان كردي شمال سوري شبيه بكردستان العراق.
صفرة البداية لاكراد ايران يبدو انها اطلقت .. لكن الوضع في ايران ليس مماثلا للوضعين العراقي والسوري اللذين ساهم تفككهما في سماع صدى صفرتي اكراد العراق وسوريا داخل حدود الدولتين وخارجهما!
0 تعليقات:
ارسال التعليق