تحميل.....

الرفاعي عارض الطائف وأيّد بعض مواده دستوراً ورفض وثيقته

2022/12/29 11:02:49

الرفاعي عارض الطائف وأيّد بعض مواده دستوراً ورفض وثيقته

إن المعلومات الواردة في هذا الموقع متاحة للجميع، ويمكن إعادة استخدامها بشرط الإشارة إلى المصدر: الموقع الالكتروني لكلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية - الجامعة اللبنانية
 
جوزف باسيل
جريدة النهار تاريخ 22 آب 2016

يبلغ المرجع الدستوري حسن الرفاعي اليوم الثالثة والتسعين من العمر، على مهابة خَلقاً وخُلقاً، ووعي لم تزعزعه عاديات الزمان وادراك يتصف به الكهول وهم دون عتبات الشيوخ، وأناقة قلّ ما يحافظ عليها من بلغ هذا العمر، ولم يتكدّر ولم يسأم.
وفي التاريخ أنّ الشاعر الجاهلي زهير بن ابي سلمى الذي سمّي ضمن حكماء العرب، وقد بلغ الثمانين من العمر، أنشد:
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولاً لا أبا لك يسأمِ
مناسبة هذه المقدمة البحث في بعض أفكار الرفاعي التي تتقاطع مع غيره من المراجع الدستوريين توافقاً أو تناقضاً، والتي أعاد بها إلى الصواب شطحات أوردها مقرّو وثيقة الطائف أو أخطأوا بها، مضموناً أو صياغة أو تفسيراً، وتعمّدوا الخطأ أحياناً لغايات في نفس يعقوب، وما أكثر اليعاقبة وما أشد ما يبتغون أو يبيّتون أو يخفون على حساب الوطن والشعب.

تجلياته الدستورية في إقرار الطائف
أفكاره التي ترد في كتاب سيصدر قريباً عن سيرته وتجربتيه النيابية والوزارية وآرائه القانونية، سنركّز عليها في ما نكتبه من خلال استخلاصات شخصية مستندة الى طرحه الدستوري.
توّج حياته الدستورية بموقفه من وثيقة الطائف ورفضه بعض التعديلات التي ادخلت عليها وامتناعه عن المشاركة في التصويت في اجتماع جدة والقليعات بسبب مآخذه عليها... لكن حين صارت التعديلات دستوراً تعامل معها بتوئدة، فاحترام، من دون أن يتخلى عن حقه في انتقادها بنتائجها السياسية وممارسات رجال السلطة التي زادت خطأ على أخطاء، وسوءاً على سوء، لأنها تخالف مقولة بسيطة، كتبها الدستوري الفرنسي جورج دوغي، وسار الرفاعي في هديّها مقوّماً، رجال السلطة عندنا، لا رجالات الحكم، وفحواها: ليس للقانون الدستوري أي ضابط إلّا أمانة الرجال الذين يطبّقونه، أخصهم رئيس الجمهورية". ولكلٍ أن يرى الى هذه المقولة، اتنطبق على السياسيين في لبنان؟! على أساسها، هناك تعديلات يجب ادخالها على التعديلات التي أقرّت في الدستور، كي يستقيم الحكم وتستقر السلطة، وتسيّر شؤون الناس ويخرج الوطن من أزماته الى حلول دائمة. أما وثيقة الطائف، في ما ورد فيها أو لحقها من تعديلات، فلا قيمة قانونية ولا دستورية لها. ويلاقيه في هذا الموقف الرئيس جوزف شاوول الذي يُنقل عنه قوله إن مقرّرات الطائف التي صوّت عليها النواب في السعودية ولبنان، والتي لم تجسّد في قوانين دستورية هي بمنزلة توصية غير ملزمة قانوناً.
وعلى رغم قول الرفاعي: "اجتمعنا في الطائف وكنّا نواباً فاقدي الشرعية، لأنّنا مدّدنا لأنفسنا"، فليس هذا ما دفعه الى مقاطعة اجتماعات الطائف، بل ورود أفكار ومفاهيم في وثيقة الطائف، تخالف العلم الدستوري والقوانين الإدارية، وهذا ما لا يمكن أن يتجاهله أو يمرّره في أي حال من الأحوال.

لِمَ لم تنهِ وثيقة 1976 الحرب؟
وقبل الحديث عن بعض مواقفه من الطائف لا بدّ من الإشارة إلى رأيه الذي يتقاطع مع رأي معظم اللبنانيين، أنّ التعديلات المطلوبة على الدستور لم تكن تستدعي حرباً "أهلية" استمرت أكثر من 15 سنة، وبالتالي لم تكن حرب خلافات دستورية، بل هي حرب اقليمية – دولية، ذريعتها القضية الفلسطينية التي دفعت تنظيماتها الى لبنان، بمؤامرة أميركية – صهيونية، ترمي الى زعزعة الاستقرار السياسي والأمني والديموغرافي في البلاد، لإمرار "مؤامرة التوطين". واعتقد أنّ أي إدعاء بعكس ذلك هو مسار مستمر لمؤامرة لم تنتهِ. وأثبتت الدراسات أنّ التعديلات على الدستور التي أدخلها الرئيس سليمان فرنجية في "الوثيقة الدستورية" عام 1976، أي في السنة الثانية للحرب، والتي أوردت في الطائف، كانت كافية لإنهاء الحرب بعدما حظيت بموافقة القيادات الاسلامية التي كانت ترفع شعاري رفع الغبن والمساواة، لو كانت الخلافات الدستورية هي السبب لاندلاع الحوادث فالمعارك، أو لو كان الحل في يد هذه القيادات وليس في يد القيادة الفلسطينية والنظام السوري والانظمة العربية مجتمعة، على اختلاف نسب تورّطها في الحرب.
ويقول الرفاعي في هذا الصدد "إن غالبية الزعماء المسلمين كانوا ضد تصرفات الفلسطينيين الشاذة، وأنا كنت منهم".

تعديلات على التعديلات
مآخذ الرفاعي على الطائف تبدأ بقوله إنّ التعديلات التي طالت آليات عمل السلطة التنفيذية، "تظهر أنّ النظام الذي أقرّ في الطائف أصبح تركيبة عجيبة غريبة أقرب الى نظام مجلسي مشوّه يبتعد عن مبادئ النظام الجمهوري البرلماني".
وخالف رأي الرئيس سليم الحص الذي أورد في كتابه "عهد القرار والهوى" أنّ أهم الاصلاحات في الطائف "كان النص الذي جعل السلطة الاجرائية منوطة بمجلس الوزراء بعدما كانت منوطة برئيس الجمهورية"، وأنّ التعديل "أحدث تبديلاً في النظام (حيث) تتركز بموجبه السلطة أساساً في يد شخص هو رئيس الجمهورية الى نظام تكون السلطة بموجبه في يد هيئة جماعية هي مجلس الوزراء"، فردّ الرفاعي بأنّ السلطة كانت دائماً في مجلس الوزراء قبل الطائف، كما بعده. وأنّ رئيس الجمهورية هو رئيس السلطة التنفيذية قبل الطائف وبعده. ورداً على ما كتبه البر منصور في كتابه "الانقلاب على الطائف"، أن الطائف "ألغى هيمنة طائفة بواسطة ممثلها على الطوائف الأخرى"، و"السلطات كلها عادت الى المؤسسات"، قال الرفاعي إنّ منصور يتكلم على نظام جديد لا هوية محدّدة له، لأن المتعارف عليه أنّه في الأنظمة الجمهورية الديموقراطية البرلمانية "يكون دائماً رئيس الجمهورية رئيساً للسلطة التنفيذية، ولا تصدر مراسيم، إلّا على إثر جلسات الحكومة التي تكون بدعوة من رئيس الجمهورية وفي حضوره". لذلك وصف بالهرطقة الدستورية الفقرة التي قالت بأن مجلس الوزراء يجتمع من دون رئيس الجمهورية، "وإذا حضر يترأس الجلسة".
إن القراءة القانونية للدستور التي تفرّد الرفاعي بتفسيرها في الكتاب، أو تقاطع فيها مع دستوريين آخرين، طوراً، وإن تميّزت بتجرّد في الرأي وشفافية في التفسير أو الشرح أو التأويل، وعلى الرغم من أنها أنصفت رئيس الجمهورية – على الورق – لأنّ التنفيذ موقعه حيث موقع الهوى، فلم يرضَ المسيحيون بكلام أنصفهم، لكنه بقي صوتاً صارخاً في برّية الوطن، لأن النيّات الحسنة لا تعبّد طرق الممالك الموحشة... وصمّم المملوك على أن يصمّ أذنيه عن صوت "هالة".
ولربما نسعى الى البحث في عدم اقتناع المسيحيين بأنّ رئيس الجمهورية، بقي رئيساً للجمهورية، وأنه لم يخسر من صلاحياته إلّا ما كان العرف أخذه منه قبل الطائف، فأين مواضع الخلل ومكامن الضعف التي أضعفت موقع رئاسة الجمهورية من خارج السياق الدستوري؟

موقف الرفاعي من بعض التعديلات
ليس المقال متسعاً لإبداء رأي الرفاعي في الطائف تفصيلاً، إنما الكتاب. لكن إبراز بعض ما أيّده وعارضه، باختصار أردناه، يجعلنا نلفت الى النقاط الآتية:
- يعارض الرفاعي انعقاد جلسات مجلس الوزراء في غياب رئيس الجمهورية ويطالب بتعديل هذه المادة من الدستور، لأنّ رئيس الجمهورية هو رئيس السلطة الاجرائية.
- يعارض نصاب أكثرية الثلثين لانعقاد جلسات مجلس الوزراء ولإقالة الوزير وللقرارات التي حدّد الدستور إقرارها بهذه النسبة، ويطالب بجعلها بالأكثرية المطلقة، أي النصف زائداً واحداً.
- يعارض ولاية رئيس مجلس النواب لمدة أربع سنوات، ويطالب بجعلها سنتين، كما اتفق عليها الأطراف اللبنانيون قبل الطائف، وقبل أن يجري التعديل بسحر ساحر! كما يعارض نزع الثقة عن رئيس مجلس النواب بالثلثين بعد انتخابه بالأكثرية الهزيلة.
- يعارض تقييد الحكومة في حل مجلس النواب بحالات محدودة وشبه مستحيلة...
- يعارض تعطيل مواد في النظام الداخلي لمجلس النواب باستنسابية رئيسه ومزاجيته وغرضيته، المادة 58 من الدستور التي تسمح للحكومة بإعطاء صفة العجلة لبعض مشاريع القوانين التي ترسلها الى مجلس النواب.
- يعارض تفسير الفقرة 3 الجديدة من المادة 60 من الدستور، التي تجيز التشريع في ظل حكومة تصريف اعمال (أي حكومة فاقدة ثقة المجلس النيابية).
- يعارض التفسيرات "الغرضية" الغريبة عن المفاهيم الدستورية التي أضيفت على الفقرة "ي" من مقدمة الدستور حول الميثاقية، والتي تشوّه النظام الجمهوري الديموقراطي البرلماني – الذي يؤيّده تأييداً مطلقاً.
وليس خافياً أنّ مطلبه الأساس الذي لم يحِد عنه – قبل الطائف وبعده – هو ادخال الاعراف البرلمانية التي اتبعت في ممارسة الحكم، الى دستور 1943، واعتماد الاستشارات الملزمة لتكليف رئيس الحكومة، بدلاً من الاستشارات غير الملزمة سابقاً - وكان أول من طالب به على هذا النحو – وأيّد المناصفة في عدد النواب بين المسلمين والمسيحيين مع تفضيل مجلس من 108 نواب بدلاً من 128، مع اقرار المجلس الدستوري لمراقبة دستورية القوانين. واقرار هذه النقاط الأربع كافٍ كي يستقيم مبدأ المشاركة في الحكم.

لبناني يعتقد بالمواطنية
تتبدّى ميزة الرفاعي في مواطنية شفّافة عبّر عنها في مواقفه التي تجاوزت البعد الطائفي الى البعد الوطني العام، وهذا ليس كلاماً مجرّداً، ولا انطباعياً، بل واقعي يستند الى مسيرة استلهم فيها كلام أجداده من "أهل البيت"، خصوصاً في كتاب "نهج البلاغة" بوجوب مناصرة المظلوم على الظالم والمدافعة عن الضعيف في وجه القوي ومؤازرة الفقير لينال حقه من الغني. وإن لم يتقاضَ أجراً، حقاً له، بصفته محامياً، كما حين دافع عن المعلمين المصروفين عام 1972، أو عن بعض أصحاب الحقوق الذين اغتصبت "سوليدير" ملكياتهم، أو عن مالكي أرقام السيارات عند تبديلها الى النظام الجديد، أو عن الموظفة في وزارة الاقتصاد التي هالتها وفرة الغنى تتساقط على التجار الاثرياء الذين يهيلون رغوة الصابون على الفقراء.
وتتبدى مواطنيته حين يكون سنياً إذا لحق الغبن بالسنة، وشيعياً إذا نزل الحرمان بالشيعة، ومارونياً اذا افتئت على الموارنة وهم "أم الصبي" الحقيقيون، وارثوذكسياً أو كاثوليكياً أو درزياً... الخ، اذا تجنّت الطوائف الكبرى على الصغرى. وهو في كل هذه الحالات، ليس سنياً أو شيعياً أو مارونياً، أو من أية طائفة أخرى، بل لبناني صرف، تسيّره لبنانيته الى حيث مكمن الخلل والوهن، فتجعله وطنياً في مواجهة الطائفيين وعلمانياً في مواجهة المتمذهبين، وعروبياً ضد الانعزاليين. ولعل مواقفه في الكتاب تجلو شخصيته ببعدها الوطني الحقيقي.

تحميل

0 تعليقات:

ارسال التعليق